الجوهر فقط
الهواء يهب عليلا بنسماته العذية , والشمس ترسل أشعتها بحياء العذارى , وهي تغوص في شفق أرجواني ,بعد يوم مشمس, وها هو الليل يكسو بطيلسانه الأسود نهار صيف طويل,
جلست على شرفة منزلي العتيق , احتسي فنجالا من القهوة وأرسل أفكاري تتجسس, لعلها تبدد هذا الصمت الواقف, حيث دارت بي الذاكرة , والتي استقرت مع بداية طفولة شقية, تعج
بخرير ماء السيل الهادر.الذي يشتبك بشجر الجوز والرمان والعليق والدفلى, وها هو الطفل يشق عباب هذا السيل . فيخترقه باتجاه مدرسته الأبتدائية الماء يخترق ذلك الجسد الهش , الذي
تلمه أسمال من الثياب , فيصل الى المدرسة وقد ابتل منه كل شىء ,ليجد أمامه أطفالا تفيض عليهم العافية ويغدق عليهم الدفء والشبع.
يجلس طفلنا بين أولئك الأقران ويسمع منهم مفردات غريبة عليه: تلفزيون, تلفون, بسكليت, شوكولاته, كيك, فاين....وكل ظنه أنها لغة دارجة يتكلمون بها, يعود بهذه المفردات الى البيت ليقال له انها لهجة المدن (بكسر الميم) , ويبدأ طفلنا يقارن هذا القاموس يراه ويسمعه من حوله: لبن0(بكسر اللام) , حمار , عنز, حصيدة... الخ
كان له أخ أو اخوة أكبر منه , ولهم تجارب متواضعة , قال له أحدهم: ليس المهم ما تسمع من الطلاب, ولكن المهم ما تسمع من الأستاذ, احفظ مفردات الأستاذ فقط:راس ,روس, دار, دور ألخ
أخذ طفلنا بهذه الوصية وأصبح يحفظها بانتظام ويزيد عليها مفردات سمعها ممن سبقوه في هذا المجال, وهكذا حتى انهى دراسته بتفوق على أقرانه, وهو لا يهتم الا بما يقوله الأستاذ , فكانت النتيجة
أن منّ الله عليه بالعلم والمعرفة بعد أن تجاهل كل المظاهر الزائفة واهتم بالجوهر فقط.